- تفسير القرآن الكريم / ٠1التفسير المختصر
- /
- (037) سورة الصافات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمْتنا إنك أنت العليم الحكيم اللهم علِّمنا ما ينْفعنا وانْفعنا بِما علَّمتنا وزِدْنا عِلما، وأَرِنا الحق حقاً وارْزقنا اتِّباعه وأرِنا الباطل باطِلاً وارزُقنا اجْتنابه، واجْعلنا ممن يسْتمعون القول فَيَتَّبِعون أحْسنه وأدْخِلنا برحْمتك في عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الكرام، ربنا سبحانه وتعالى جَعَل في كتابِهِ الكريم مَشاهِدَ مِن يوم القيامة، وأخبار الله عن يوم القيامة يجب أن نتلقَّاها وكأنَّنا نراها لأنَّ مِصْداقِيَّة كلام الله عز وجل في قِمَّة الأخبار، لذا قال تعالى:
﴿أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ(1)أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ(2)وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ(3)تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ(4)فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ(5)﴾
لا شكَّ أنَّ أحدًا مِنَّا لم يرَهم، ولكنّ الله تعالى لمَّا قال: ألم تَر ؟ يجب أن يقَعَ خبرُ الله منك مَوْقِعَ الرؤْيَة لأنَّ مِصْداقِيَّة كلام الله في أعلى درجات الصِّدْق، قال تعالى:
﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثًا(87)﴾
وقال تعالى:
﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)﴾
فإذا الإنسان غطَّتْهُ آية، لو كان وضْعُهُ المعاشي أقلّ مِمَّا ينبغي، مثلاً قال تعالى:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾
وإذا قال تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(97)﴾
ولما يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ(38)﴾
هذه الآيات التي تُطَمئِنُ المؤمن ينبغي أن تقَعَ منه مَوْقِعَ اليقين، هذا هو الإيمانُ أساسًا، إيمانُك أن تستبشر بوعد الله تعالى، و أن لا تعبأَ بواقعك، و مادام أن الله تعالى وعدك بالعاقبةِ، فقال تعالى:
﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)﴾
وهناك مثلٌ فرنسي يقول: العبرةُ لمن يضحك آخرًا " و آخرُ من يضحك هو الفائزُ، و اللهُ تعالى قال:
﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ(34)﴾
أحيانًا الإنسانُ يشعرُ بغُربةٍ، إذا استقامَ على أمرِ الله وطلبَ الحقَّ يشعرُ بغربةٍ، وقد قال عليه الصلاة و السلام:
((بدأ الدينُ غريبا....))
و مِن علامةِ إيمانك إحساسُك بالغربةِ، و من علامةِ ضعفِ الإيمانِ أن تستأنِسَ بمن حولك من العصاةِ، و إذا استأنسْتَ بهم و ارتحتَ لحياتهم و أقررْتَ سلوكهم و رأيتَ الإنسانَ هكذا يعيشُ فأنت لا تعيش الغربةَ أنْ تعيشَ الغربةَ هذه من علامات الإيمان، و بدأ الدينُ غريبا و سيعود كما بدأ...سوء كثير"
اللهُ تعالى وصَفَ في بعضِ الآياتِ و السُّورِ مشاهدَ من مشاهدِ يوم القيامةِ، لأجل ماذا ؟ هذا كلامُ خالقِ الكونِ، فإذا حدَّث عن جهنمَ وعن عذابِ أهلِ النارِ، فمشكلةُ المسلمين أنَّ هذا الكلامَ لو عرفوه على حقيقتِه و يفهمونه في أبعاده لارتعَدتْ مفاصِلُهم، قال عليه الصلاة و السلام: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم..." و إنَّ روحَ الميِّتِ ترَفْرِفُ فوق النعْشِ تقول: يا أهلي يا ولدي لا تلعبَنَّ بكم الدنيا كما لعبتْ بي، جمعْتُ المالَ مما حلَّ و حرُمَ فأنفقْتُه في حِلِّه و في غيرِ حلِّه فالهناءُ لكم و التَّبِعةُ عليَّ " و يقول النبيُّ عليه الصلاة و السلامُ: فو الذي نفسُ محمد بيده لو تعلمون ما أنتم عليه بعد الموتِ ما أكلتم طعاما عن شهوةٍ..." و أنت إذا طلبَك إنسانٌ لا تنام ثلاثةَ أيامٍ، فكيف باللهِ عز وجل، قال تعالى:
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)﴾
و سوف تُسأَل عن كلِّ كلمةٍ و نظرةٍ و همسةٍ و عن كلِّ ابتسامةٍ و عن كلِّ عطاءٍ و منعٍ، قال تعالى:
﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ(92)﴾
فهذا المشهدُ، و آية:
﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا(60)﴾
يفهمها العوامُ على غيرِ ما أراد الله تعالى، نخوِّفهم لأجلِ أنْ يتسرَّب الخوفُ إلى قلوبهم و من أجلِ أن يرتدِعوا، و أحيانا طبيبُ القلبِ يقول للمريضِ: إذا قعدْتَ في هذا البيتِ تموتُ، ولو لم يقُلْ له ذلك ما خرج من البيتِ، و قال طبيبٌ لأحدِ المرضى: إمَّا أن تمشِيَ أو تمشِيَ ؛ أي تموت ؛ فهذا ليس تخويفًا، بالمعنى العامي هو تخويفٌ وراءَه شيءٌ، و لكنْ هذا كلامُ ربِّ العالمين، قال تعالى:
﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا(60)﴾
و هذه المشاهدُ سوف نعايِنُها، و لا مندوحَةَ منها.
أيها الإخوةُ الكرام، قال تعالى:
﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)﴾
المؤمن الصادق يسمع درس العلم و يقرأ القرآن، وإذا كان عنده خللٌ في حياته و ليس عنده استقامةٌ و عنده مشكلةٌ، فإذا كان مؤمنًا ترتعد مفاصلُه و ينخلِعُ قلبُه، و المنافقُ يسخرُ، و كلُّ إنسانٍ يسخرُ من وعيدِ الله هو أحمقُ و هل يسخر الإنسان من وعيد رجلٍ يُخوِّف ؟ أنا مرةً لقيتُ أمام مصلِّحِ السياراتِ ـ و لا أبالغُ ـ عشرين سيارة تاكسي لأنه صدر من وزير الداخلية بلاغٌ إذا كان رقمُ المحرِّك ليس متوافقًا مع الميكانيك تُصادَرُ السيارةُ، فلو صدَّقوا ربَّهم كما صدَّقوا وزيرَ داخليتهم لدخلوا الجنَّةَ، إِلهٌ يقول لك: هناك نارٌ و حسابٌ و عذاب برزخٍ، فإذا لم يستوعِب الإنسانُ هذا الكلامَ و لم يعرف أبعادَه فبِعقلِه خللٌ، قال تعالى:
﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)﴾
سيِّدُنا عمرُ يقول: و اللهِ لو تعثَّرتْ بغلةٌ في العراقِ لحاسبني اللهُ عنها لِمَ لمْ تصلِح لها الطريقَ يا عمرُ ؟ و كان مرةً في جولةٍ في أطرافِ المدينةِ مع سيِّدنا ابن عوفٍ، رأى قافلةً مستقِرَّةً في ظاهرِ المدينةِ، فقال له: تعالَ نحرُسها، فوجدوا طفلاً يبكي في الليلِ، فقام إلى أمِّه فقال: أرضعيه، فأرضعتْه، ثم بكى، فقام وقال: أرضعيه فأرضعتْه ثم بكى، فقام الثالثة و قال لها: يا أَمَةَ السوءِ أرضعيه، فقلت له: و ما شأنُك بنا ؟ إنني أفطِمُه، قال فلِمَ تفطِمينَه ؟ قالت ": لأن عمرَ لا يعطينا العطاءَ إلا بعد الفطامِ، فقال لنفسه: ويْحَكَ يا ابنَ الخطَّابِ كم قتلْتَ من أطفالِ المسلمين ؟ فلما ذهب ليصَلِّيَ الفجرَ إماماً، قال: ما سمع الصحابةُ قراءته من شدَّةِ بكائه، و كان يقول: يا ربي هل قبِلتَ توبتي فأهَنِّئَ نفسي أم ردّدْتَها فأُعزِّيها، فإذا الإنسانُ ما خاف حقيقةً ما استفادَ شيئًا.
قال تعالى:
﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)﴾
أنت تحكي ساعةً عن النَّردِ قال عليه الصلاة و السلام: أنَّه من لعبَ النَّرْدَ فكأنما غمس يده فيلحم خنزير.. ثم تجدُ أنه صلى العشاءَ وقعد إلى الساعةِ الثانيةِ ليلًا على طاولةِ النردِ كأنَّ ذاك الكلامَ كتابةٌ في الماءِ قال تعالى:
﴿وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ (13)﴾
وقال تعالى:
﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)﴾
أُمورُ الدينِ يأخذها بالسخريَةِ و التعليقاتِ اللاذِعةِ، قال تعالى:
﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (14)﴾
قال تعالى:
﴿وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (15) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (17) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ(18)﴾
مقهورون و قال تعالى:
﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (19) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ(21)﴾
لمَّا سيِّدُنا رسولُ اللهِ وقف أمامَ قتلى بدرٍ وقال: يا فلان ؛ و سمّ!أهم واحدًا واحدًا، يا عتبةَ بنَ شيبةَ و يا صفوانَ بنَ أُميَّةَ، فاستغْربَ الصحابةُ لذلك، قال هل وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني وجدت ما وعدني ربي حقا....." قالوا:يا رسول الله أتخاطِب قومًا جيَّفُوا ؟ قال ما أنتم بأسمعَ لما أقول منهم و لكنهم لا يجيبونني، قال تعالى:
﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23)﴾
أنتَ انظُرْ إلى شعورِ إنسانٍ يُساقُ إلى الإعدامِ، بعدما حُوكِم في جريمةٍ، ماذا يكون شعورُه ؟ فكيف بمن سيقَ إلى محكمةِ الله تعالى ؟ أعرف رجلا له مزرعةٌ و ليس معه المالُ لتشغيلها، فذهب إلى رجل و اقترحَ عليه أن يقرضَه مائتي ألف ليرةٍ و يرهنَه المزرعةَ على أن يرُدَّها إليه بعد ردِّه له المالَ، و بعد ثلاثِ سنواتٍ، جهَّز المبلغَ و جاء إلى الرجل ليرُدَّ له مزرعتَه بعد ردِّه له ديْنَه، و لكن لم يُرِدْ إرجاعه المزرعةَ فأصابه كمدٌ شديدٌ أوصلَه إلى جلطةٍ، و هو على فراشِ الموتِ استدعى أكبرَ أبنائِه و قال له: سِرْ بجنازتي إلى المهاجرين و قِلإء أمامَ دكانِ الذي اغتصبَ هذا البستانِ، فأوقفْ الجنازةَ أمامه وامسِكْ الرسالةَ و ادخلْ بها عليه أمام الناسِ جميعاً، و قلْ له:هذه الرسالةُ من والدي الذي في النَّعشِ، و كتبَ له فيها: أنا ذاهبٌ إلى محكمةِ الحقِّ، فإذا كنتَ بطلاً لا تلحقْنِي، فأرجع المزرعةَ لأبناء الميِّتِ، قال تعالى:
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)﴾
قال لي مرةً مُوَظِّفٌ في التموين: اِنصَحْني، قلت: هيِّئْ لله جوابًا عن كلِّ ضبطٍ و عن كلِّ رجلٍ وضعتَه في السجنِ، أما إذا غشَّ أو باع بضاعةً فاسدةً فمات بها الناسُ فيجب أن توقِفَه، إن الله يزع بالسلطان...." و إذا هيَّأَ كلُّ إنسانٍ جوابًا لله تعالى ينفذُ، قال تعالى:
﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24)﴾
قال تعالى:
﴿مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25)﴾
قال تعالى:
﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ(94)﴾
ثم قال تعالى:
﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)﴾
في الدنيا إذا كان الإنسانُ يأمر و ينهى و يخاف منه الناسُ ثم يقع في السِّجنِ تراه مثلَ القِطِّ، قال تعالى:
﴿بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)﴾
و قال تعالى:
﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)﴾